لحظة تجعلك طيراً سجيناً بداخل قفص الزمن! صوتٌ يعبر من خلال صَدَفةِ طفلٍ لكهل! برهة، ولكنها كفيلة بأن تخترق حصن تفكيرك، ثلاثون ثانية زاد نِصاب الحديث عنها حتى نسبوها لعالم الأرواح! هل هي الحاسة السادسة! مقالتي هذه ستلون بشريط ذكريات كل من قرأها رغم بياضها!

اسمح لي أن اسرد عليك قصة حدثت معك، هل تتذكر ذلك اليوم الذي زرت به مكاناً جديداً وفجأه شعرت بأنك قد زرته من قبل! أوكنت تتحدث مع صديق وفجأة شعرت بأنك أجريت هذه المحادثة من قبل؟ 
هذه الظاهرة تسمى ديجافو Déjà vu مشتقة من اللغة الفرنسية بمعنى " شوهد من قبل" أو "وهم سبق الرؤية" ويقسمها بعض علماء النفس إلى ثلاثة أنواع: 
  • déjà vécu تم رؤيته سابقاً
  • déjà senti تم الشعور به سابقاً
  • déjà visité تم زيارته سابقاً (1)

ببساطة هو الشعور بأن الموقف الحالي قد مرّ علينا من قبل ولكن التفاصيل غير معروفة لأن الموقف أصلاً لم يحدث سابقاً. تم استخدام كلمة "Deja vu" لأول مرة من قِبل الباحث النفسي الفرنسي إميل بوريك في كتابه "مستقبل العلوم النفسية"(1). تستغرق هذه التجربة فقط ٣٠ ثانية ولكن هذه الثلاثون تغرقك في فوج حيرةٍ ومشاعرٍ غريبة. والمؤسف أن محاولاتك في التذكر تصبح عبثاً. هذه التجربة يشهدها معظمنا مرة واحدة على الأقل في حياته.

حاول الكثيرمن العلماء التحقيق في هذه الظاهرة لسنوات كثيرة ولكن لم يصلوا لتفسيرٍ كاملٍ لهذه الظاهرة، على الرغم من أن ما يزيد عن70 بالمائة من الناس قد تعرضوا لها. يحدث الديجافو بشكل متساوٍ بين الرجال والنساء، وفقًا لدراسة أجريت عام 2003 من مجلة الأمراض العصبية والعقلية؛ ولكن يظهر في كثير من الأحيان بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 25 عامًا. وقد دفعت هذه الحقيقة بعض الخبراء إلى الاعتقاد بأن الديجافو قد يرتبط بنواقل عصبية مثل الدوبامين والتي توجد بمستويات عالية لدى المراهقين والشباب وأحياناً يزداد الدوبامين بسبب بعض الأدوية(2).

يوجد أكثر من ٤٠ فرضية وتفسيراً لهذه الظاهرة، ولكن أبرزها:

· المعالجة المزدوجة Dual Processing : قد يحصل تأخير لحظي في انتقال الإشارات العصبية من الحواس (كالبصر والسمع) إلى أحد فصّي الدماغ، فعندما تنتقل المعلومة من الحواس إلى فص واحد من الدماغ وتتأخر -لأجزاء من الثانية- في الفص الآخر، فيتم استقبال المعلومة على أنها قديمة(3).

· نظرية الهولوجرام: يعتقد الطبيب النفسي الهولندي "هيرمون سنو" أن الذكريات تُخزّن في الدماغ بشكل يشبه الصور ثلاثية الأبعاد إلى حد كبير، يتقسم هذا الشكل إلى أجزاء صغيرة، يحتوي كل جزء من الهولوغرام على جميع المعلومات اللازمة لإنتاج الصورة بأكملها. ومع ذلك، كلما كان الجزء الذي يستخدمه أصغر حجمًا، أصبحت الصورة الناتجة أقل دقة (وأضعف). يحدث الديجافو عندما يتطابق الموقف الحالي بشكل زائف مع إحدى هذه الصور "الأقل دقة" لحدث سابق. يشبه إلى حد ما إقناع نفسك بالتعرف على الشخص الموجود في صورة كاميرا أمنية غير واضحة(3).

· الانتباه المقسم Divided Attention: يحدث عندما يعترض مشتتٌ ما حدثاً مستمراً فيقسمه إلى حدثين فيصبح آخرهما تكراراً للأول. مثال: أنت على وشك عبور شارع مزدحم، وتلقي نظرة سريعة في كلا الاتجاهين للتأكد من ممر آمن. فجأةً يحدث أن تُشغل عيناك وانتباهك محتويات متجر؛ فتتوقف لحظة لترى ما بداخله، عندما تعود بتركيزك لعبور الشارع تحس أنك قمت بعبوره للتو! ذلك لأن نظامك العصبي فكك تجربة واحدة -وهي عبور الشارع- إلى مرحلتين، كلاهما مألوفان، فالأخيرة تكرار للأولى(3).

· كما أن هناك تفسير آخر مرتبط بخلل في منطقة في المخ تسمى "Hippocampus area" هذه المنطقة التي يتم فيها إنتاج الذكريات. داخل هذه المنطقة جزء صغير يسمى "Dentate Gyrus" وهي المنطقة المسؤولة عن الذكريات المتسلسلة -الأجزاء الصغيرة من الذكريات التي تشكل الذاكرة-. يسمح هذا الجزء من الدماغ بتحديد المتشابه من الأماكن والحالات والمواقف(1). أي أنه بسبب مرور الشخص بموقف مشابه تقوم الذاكرة باستعادة هذا الموقف مما يجعل الشخص يشعر وكأنه مر بالموقف الحالي من قبل، فالمخ لا يمسح أي من الذكريات المخزنة بداخله.

· اعتقد الباحثون قديماً أن هذه الظاهرة تحدث نتيجة اختلال في الخلايا العصبية. فقد لاحظ الأطباء أن بعض الأشخاص الذين يعانون من صرع الفص الصدغي (Temporal lobe epilepsy) يمرون بظاهرة الديجافو قبل حدوث الصرع(3).

أما من التفسيرات الخارقة الأخرى لـ deja vu:
· يتم تفسير الديجافو أحياناً على أنها أحداث وقعت في الأحلام (4).
· يعتقد البعض أن الأشخاص الذين يشعرون بهذه الألفة إلى مكان ما ،أنهم كانوا هناك بالفعل من خلال الإسقاط النجمي(4).

وهناك ظاهرة تسمى جامي فو " Jamais vu" وهي كلمة فرنسية تعني " لم أره من قبل " وهي عبارة عن شعور غريب لرؤية المنظر لأول مرة بالرغم بأنه معتاد على رؤيته و منطقه وعقله يخبره بأنه رآه من قبل وهي عكس ظاهرة دَيْجاڤو. أما ظاهرة بريسكوفو  "Presque vu" أي "طرف اللسان " وهي عبارة عن عدم قدرة الشخص على تذكر كلمة كان يعرفها من قبل، لكن مع الإصرار يستطيع أن يتذكرها. عندما يشعر الشخص بظاهرة (بريسكو ڤو) عادة ما يقول "هي على طرف لساني"(1).

تعقب هذه الظاهرة ردات فعل مختلفة، البعض يصيبه الرعب بعد هذه الظاهرة وتسبب له القلق وبعضهم يتجاهلونها وآخرون يتأثرون لدرجة أنهم يجعلونها عامل في صنع القرار.

إن هذه الظاهرة ذكرتني بالآية الكريمة " قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" مهما بلغ حجم علمنا ما هو إلا قليل. لدرجة أننا أحياناً نعجز عن فهم ما يجري بدواخلنا. فسبحان الله العظيم .



كتابة: أمجاد الزهراني




المصادر:

  1. https://www.newworldencyclopedia.org/entry/D%C3%A9j%C3%A0_vu
  2. https://www.livescience.com/38280-what-is-deja-vu.html
  3. Brown, A. (2003). A review of the déjà vu experience. Psychological Bulletin, 129(3), pp.394-413.
  4. https://www.onlinepsychic.eu/what-does-deja-vu-mean/





De´ja` Vu ظاهرة الديجافو
TMC Blog

المقالات الأكثر مشاهدة

جميع الحقوق محفوظة © مدوّنة نادي طيبة الطبي

close

أكتب كلمة البحث...