في مطلع العام الماضي صنفت منظمة الصحة العالمية الاكتئاب كأحد الإعاقات التي تؤثر على إنتاجية الشخص وحتى صحته الجسدية[1]. في الوقت نفسه فإن الانتحار والذي قد ينجم عن تفاقم الاكتئاب يحتل المركز الأول في أسباب الوفيات في الفئة العمرية بين 15-30 عامًا[2]. ليصبح بذلك طاعون العصر الحديث بلا منازع.
يختبر معظم البشر فتراتٍ متفاوتة من المزاج المنخفض والحزن العابر في مرحلةٍ ما من حياتهم بدءًا من الحزن بعد فقدان شخصٍ عزيز وحتى اضطرابات المزاج المصاحبة لتغير الهرمونات لدى الإناث. لكن حالات الاكتئاب الشديدة التي تستمر لأكثر من أسبوعين وتؤثر سلبًا على قدرة الشخص للقيام بعمله وبنشاطاته اليومية وإقامة العلاقات الاجتماعية فهي اضطرابٌ نفسي يعرف باسم الاضطراب الاكتئابي major depressive disorder[3].

وتشمل أعراض الاكتئاب: مزاج حزين بشكل غير اعتيادي، فقدان المتعة والاهتمام بالنشاطات التي كان يسبق للشخص الاهتمام بها، حالة من التعب وفقدان الطاقة المستمر مترافقة بصعوبةٍ في التركيز واتخاذ القرارات، التفكير في الموت بشكلٍ مستمر، اضطرابات في النوم، فقدان الشهية أو النهم الشديد[3].

يندرج الاضطراب الاكتئابي تحت مظلة اضطرابات المزاج والتي تشمل أيضًا:
اضطراب ثنائي القطب (وفيه يتقلب المريض في نوباتٍ متعاقبة من حالة ارتفاع المزاج (هوس) تعقبها نوبة انخفاض حاد للمزاج والكآبة) [4]، اكتئاب ما بعد الولادة واضطراب الوجدان الموسمي.

إن الاكتئاب اضطرابٌ نفسي يمكن التعافي منه حين يتمكن المريض من الوصول إلى المساعدة اللازمة. وعلى نقيض الفكرة السائدة فإن العلاج الدوائي (رغم فاعليته) ليس هو الخيار الوحيد للعلاج. فعلاج الاكتئاب يتضمن أيضًا جلسات العلاج السلوكي المعرفي، العلاج المرتكز على حل المشكلات وجلسات التنشيط السلوكي. في الحالات المتقدمة حين يشكل الاكتئاب خطرًا على حياة المريض قد يلجئ الطبيب أيضًا إلى العلاج بالصدمات الكهربائية[3].

من جانبٍ آخر فإن تعديل نمط الحياة كاتباع نظامٍ غذائي متوازن وممارسة التمارين الرياضية وبناء علاقات اجتماعية متينة وسليمة، كلها تسهم في تحسين حالة المزاج ومساعدة المصابين بالاكتئاب[3].

السلوكيات والأفكار الانتحارية من أهم بوادر الأزمات التي يتوجب على مقدم المساعدة النفسية الأولية ملاحظتها، حيث أن 66% من المصابين بالاكتئاب يفكرون في الموت فيما يحاول ثلث هذه النسبة تقريبًا الانتحار فعلًا! [5] فالاكتئاب يترافق مع الشعور بالعجز وفقدان الأمل والقدرة على التحمل مما يقود الانسان إلى الاعتقاد بأن الموت هو الخلاص الوحيد. أيضًا فإن استخدام الكحول وأنواع المخدرات كلها تزيد من خطورة الإقدام على الانتحار.



خطة المساعدة النفسية الأولية للاكتئاب [5]:

خطة ALGEE بخطواتها الخمسة والتي سبق شرحها في التدوينة السابقة تعطي مقدم المساعدة خطةً ثابتة وتصورًا واضحًا عن الخطوات اللازم اتباعها لمساعدة من يمر في حالة اكتئاب.

1. اقترب وتواصل:
بعد مراعاة اختيار الوقت والمكان المناسبين، شجع الشخص للتحدث عن مشاعره وما يمر به دون الضغط عليه ومحاولة إجباره على الكلام. ذكره بأنك موجود دائمًا للاستماع إليه وتقديم المساعدة إن احتاجها. يتوجب عليك احترام خصوصيته وسريته وعدم افشاء ما يقوله. في هذه المرحلة حاول البحث عن أي علاماتٍ قد تدل على تفكيره بالموت أو إيذاء نفسه. إن كنت تشك في محاولة الشخص الاقدام على الانتحار اطلب المساعدة المتخصصة فورًا.

2. استمع دون اصدار أحكام:
إن لم تلاحظ علامات مرور الشخص في أزمة (التفكير في الانتحار) فسيكون عليك الحديث مع الشخص مبديًا اهتمامك وتفهمك لما يقوله. حاول معرفة مشاعره الحالية وما يفكر به ومنذ متى وهو يشعر بهذه الطريقة. أثناء حديثك معه ينبغي عليك مراعاة مهارات التواصل اللفظية كتجنب إعطاء النصائح غير المفيدة والحذر من مقاطعته أثناء حديثه وانتقاء الألفاظ والأسئلة بحكمة. أيضًا لا تهمل مهارات التواصل غير اللفظية مثل المحافظة على التواصل البصري المريح ووضعية الجلوس المناسبة.

من المهم للغاية تجنب إطلاق الأحكام على ما يقوله ومحاولة وضع القناعات والاعتقادات الشخصية جانبًا والابتعاد عن أسلوب المحاسبة واللوم أثناء الحديث.

3. قدم الدعم والمعلومات:
إن الاكتئاب مشكلة صحية حقيقية وليست قرارًا شخصيًا يمكن تجنبه. تقديم الدعم العاطفي والاهتمام الصادق هو أهم ما يمكن تقديمه لشخصٍ يمر في حالة اكتئاب. كما أن المساعدة في إنهاء الأعمال الضرورية كالمساعدة في تنظيف المنزل أو العناية بالأطفال ستكون مساعدةً قيمة حيث أن الاكتئاب يصيب صاحبه بحالةٍ من العجز عن المواصلة والاهتمام بالنشاطات اليومية الاعتيادية. قدم له معلومات -طبية وموثوقة- عما يمر به واشرح له أنه ليس وحيدًا وأن ما يمر به أمر منتشر بل ويمر به أيضًا ملايين الأشخاص حول العالم. في غضون ذلك لا تنسَ معاملته باحترام وتقدير واحترام استقلاليته في اتخاذ قراراته والمحافظة على سرية حالته مالم تشكل خطرًا على حياته أو على الآخرين.

4. شجعه لطلب المساعدة:
تصبح المساعدة الطبية ضروريةً حين يستمر الاكتئاب لفترة طويلة (ثلاثة أسابيع أو أكثر) وحين يبدأ بالتأثير في حياة الفرد اليومية. لسوء الحظ فإن عوامل اجتماعية ونفسية متعددة تحول دون طلب المساعدة النفسية ممن يعانون من الاكتئاب. حاول إقناعه بالتوجه إلى الطبيب وناقش معه خيارات المساعدة المتوفرة. إن طلب المساعدة الطبية المبكرة مهم ويحسن فرصة التعافي لكن في حالة رفض الشخص للمساعدة فمن المهم أولًا تحديد الأسباب ومناقشتها. فالصعوبات المالية والوصمة الاجتماعية كلها عواملٌ قد تحول دون طلب المساعدة. حاول مناقشة أسبابه وإيجاد حلول منطقية وتوضيح المفاهيم الخاطئة. في حالة استمرار رفضه يجب عليك احترام قراره والتوقف مالم تعتقد أن حالته قد تشكل خطرًا.

5. حفز مصادر الدعم الأخرى:
وضح له وجود خيارات أخرى للمساعدة كدعم العائلة والأصدقاء ومجموعات الدعم. قد يكون من المفيد لمن يعاني من الاكتئاب مقابلة من يمرون بحالاتٍ مشابهة ومشاركة تجاربهم في محاربة الاكتئاب.


في حال كنت تعاني من الاكتئاب، لا تتردد في طلب المساعدة.
مركز اتصال الاستشارات النفسية (920033360) المقدم من اللجنة الوطنية للصحة النفسية يعمل من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الثامنة مساءً ويقدم استشارات مجانية من قبل متخصصين في مجال الصحة النفسية بسرية تامة.




كتابة: إيناس الجهني
مراجعة: أ. محمد اللقماني (أخصائي تمريض وعضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود ومدرب في برنامج المساعدة النفسية الأولية)








 المصادر:


[1] “Depression.” World Health Organization, 22 Mar. 2018, www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/depression.
[2]“Depression and Suicide .” UC SANTA CRUZ, caps.ucsc.edu/resources/depression.html.
[3] Parekh, Ranna. “Depression.” American Psychiatric Association, Jan. 2017, www.psychiatry.org/patients-families/depression/what-is-depression.
[4] parekh, Ranna. “Bipolar Disorders.” American Psychiatric Association, Jan. 2017, www.psychiatry.org/patients-families/bipolar-disorders/what-are-bipolar-disorders.
[5] mental health first aid manual, Arabic edition. + Mental Health First Aid Australia. Depression: first aid guidelines. Melbourne: Mental Health
First Aid Australia; 2008.





المساعدة النفسية الأولية للاكتئاب - تِفرق
TMC Blog

المقالات الأكثر مشاهدة

جميع الحقوق محفوظة © مدوّنة نادي طيبة الطبي

close

أكتب كلمة البحث...