لا يندر أن تصادف أثناء سيرك في الشارع حادثًا مروريًا، أن يتعرض زميلك في العمل إلى نوبة قلبية أو حتى أن تجرح سهوًا إصبعك أثناء إعداد الغداء. ففي حادث السير قد تسرع فورًا لإسعاف المصاب إن سبق لك أن تلقيت تدريبًا في الإسعافات الأولية أو ربما تباشر تقديم الإنعاش القلبي الرئوي أو ستكتفي بالاتصال بسيارة الإسعاف. أما بشأن إصبعك المجروح فعلك ستغسله وتضع ضمادةً على جرحك قبل أن تعود لإتمام طعامك.
لكن ماذا لو تعرض زميلك لنوبة هلع بدلًا من النوبة القلبية؟ وماذا لو كان الحشد في الشارع لا يلتف حول مركبةٍ في حادث سير وإنما أسفل بنايةً يقف على سطحها أحدهم محاولًا الانتحار؟!
هل فكرت من قبل كيف يتوجب عليك التصرف في موقفٍ مشابه؟
حسنًا، في هذه السلسلة سنتكفل بالإجابة.
فيما يبرز مفهوم الإسعافات الأولية واضحًا وواسع الانتشار. تقف بجانبه الإسعافات النفسية الأولية خجولةً لم تنل ما تستحقه من حظوةٍ واهتمام.
قبل الحديث عن المساعدة النفسية نسأل أولًا، ما هي الصحة النفسية؟
حسب تعريف منظمة الصحة العالمية فإن الصحة النفسية هي: "حالة من العافية يمكن فيها للفرد تكريس قدراته الخاصة والتكيّف مع أنواع الإجهاد العادية والعمل بتفان وفعالية والإسهام في مجتمعه "[1]
وعل الرقم من قلة الوعي والاهتمام بمفهوم الصحة النفسية فإن مشكلات الصحة النفسية أكثر انتشارًا مما نعتقد. فهي لا تشمل فقط تلك الاضطرابات التي تم تشخيصها. كما أن تأثير الوصمة الاجتماعية المرافقة لمفهوم المرض النفسي يجبر كثيرًا من الناس على المعاناة بصمت والعزوف عن اللجوء للمساعدة الطبية.
ما المقصود بالمساعدة النفسية الأولية؟
هي المساعدة المقدمة لشخص في حالة أزمة نفسية، وتنقضي بانقضاء الأزمة أو حصول المصاب على المساعدة النفسية المتخصصة[2].
وهي مفهوم حديث نسبيًا ظهر لأول مرة في أستراليا عام 1997 على يد الزوجين بيتي كيتشينر وأنتوني جورم[1] وهما متخصصان في الرعاية النفسية، رأوا في الارتفاع المتزايد لأعداد المشخصين بالاضطرابات النفسية في أستراليا حاجةً ماسة لرفع الوعي لدى غير المتخصصين وتدريبهم على خطة عمل واضحة للتعامل مع الحالات الحرجة التي قد يتعرض لها المريض قبل أن يتمكن من الوصول إلى المساعدة الطبية اللازمة لحالته. ولسد هذه الحاجة قام الزوجان بإطلاق برنامج عام 2000 تحت مسمى الإسعافات النفسية الأولية (Mental Health First Aid MHFA) وهو برنامج مدته 8 ساعات تدريبة يمكن المشاركة من الملاحظة، الفهم، ومن ثم الاستجابة للأزمات النفسية ومساعدة المريض وفق خطة واضحة ومحددة[3]. لاقى هذا البرنامج نجاحًا واسعًا وانتشر سريعًا في استراليا والعالم. واليوم فإن 25 دولة قد تبنّت البرنامج وقدمته لمواطنيها[2].
في عام 2012 قامت اللجنة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية بالحصول على ترخيص لحقوق البرنامج وتدريب عدد من المتخصصين لتقديم الدورات التدريبية التابعة له في مختلف مناطق المملكة. وبذلك تكون المملكة العربية السعودية أول دولة في الشرق الأوسط تقوم بتقديم هذا البرنامج. تقام الورشة بشكل دوري في عدة مناطق وتتيح المشاركة للمهتمين بحضور البرنامج والحصول على شهادة الحضور[4].
ماهي القواعد الأساسية لتقديم المساعدة النفسية؟
تقديم المساعدة النفسية يحتاج إلى الالتزام بقاعدتين تضمنان حقوق المريض ومقدم المساعدة. وهما:
1- الالتزام بالمساعدة
2- المساعدة بمسؤولية
والالتزام يتضمن احترام الأخلاقيات العامة وحفظ حقوق المريض: مثل عدم الإفشاء عن معلوماته الشخصية، احترام حقه في رفض المساعدة، تجنب طلب الحصول على مال أو خدمات مقابل تقديم المساعدة[4].
أما المساعدة بمسؤولية فتندرج تحتها أربعة شروط رئيسية يتوجب على مقدم المساعدة الالتزام بها وهي:
أ. احترام سلامة المصاب وكرامته وحقوقه.
ب. مراعاة الخلفية الثقافية والدينة له.
ج. الإلمام بالإجراءات الضرورية الأخرى لحالات الطوارئ. مثل: الإسعافات الأولية.
د. الحرص على السلامة الشخصية لمقدم المساعدة.
أيًا كانت الأزمة التي تواجه مقدم المساعدة فإن البرنامج يزوده ب 5 خطوات أساسية وثابتة لتقديم المساعدة اللازمة في الحالات الطارئة:
The ALGEE action plan [5]
- Approach اقترب: تواصل مع الشخص من أجل إدراك الحالة التي يمر بها ومن ثم مساعدته. ولكن حاول تقييم المخاطر المحتملة والبحث عن علامات وجود الأزمة مثل: الانتحار، علامات الصدمة، القلق.
- Listen استمع: استمع للشخص بحكمة وحاول تفهم مشاعه وما يحاول قوله، اسمح له بالتحدث بحرية وتجنب اصدار أحكام
- Give قدم الدعم: قدم الدعم النفسي والمعنوي و زوده بالمعلومات التي يحتاجها.
- Encourage شجع: شجعه للتوجه لطلب المساعدة المتخصصة ووضح له وجود خيارات المتعددة كالأدوية والعلاج النفسي وحتى المساعدة المالية.
- Encourage حفز مصادر الدعم الأخرى: حفز الشخص لطلب الدعم من عائلته وأصدقائه، حاول ابقائه متفائلًا واجعله مطلعًا على قصص أشخاص حاربوا وصمة المرض النفسي.
ترقّبوا التدوينة القادمة: المساعدة النفسية الأولية في حالات الاكتئاب.
كتابة: إيناس الجهني
مراجعة: أ. محمد اللقماني (أخصائي تمريض - تخصص صحة نفسية وعقلية)
المصادر:
[1] “Mental Health: Strengthening Our Response.” World Health
Organization, 30 Mar. 2018,
www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/mental-health-strengthening-our-response.
[2] “International
Mental Health First Aid Programs .” MHFA Australia,
www.mhfainternational.org/international-mhfa-programs.html.
[3] “About.” Mental
Health First Aid USA, www.mentalhealthfirstaid.org/about/ .
[4] “اللجنة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية.” المساعدة النفسية الأولية, ncmh.org.sa/index.php/pages/view/91/14/14
.
[5] “What We Do
at Mental Health First Aid.” MHFA Australia,
mhfa.com.au/about/our-activities/what-we-do-mental-health-first-aid.
